يعتبر الترحيب بالضيوف جزءًا أساسيًا من الثقافات المختلفة، حيث ترتبط هذه العادة القديمة بإكرام الضيف وتقديمه بطريقة تجعل له مكانة خاصة،إن استضافة الضيوف لا تعكس فقط قيم الكرم والضيافة، بل تُعد أيضًا وسيلة لتعزيز العلاقات الاجتماعية والتواصل الثقافي،تُشكل الأبيات الشعرية من أنواع الأدب العربي وسيلة رائعة للتعبير عن هذه الروح المضيافة، فتدخل الفرحة إلى قلوب الضيوف وتمهد الطريق لتجارب لا تُنسى،لذا، سنستعرض بعضًا من هذه الأبيات الشعرية التي تعكس فن الترحيب بالضيوف.

أبيات شعر ترحيب بالضيوف

قد عُرف الشعراء عبر العصور بالتعبير عن فكرة إكرام الضيف من خلال أبياتهم الجميلة، حيث كانت تقاليد الضيافة تحظى بمكانة عالية في المجتمعات العربية،فكان الناس يعتنون بكافة احتياجات ضيوفهم، ويبادرون بتقديم كل ما هو متاح من طعام وشراب وتوفير مكان مريح للإقامة،يروي لنا التاريخ أن الإسلام قد شدد على أهمية إكرام الضيف، حيث أكد النبي محمد صلى الله عليه وسلم على ذلك في العديد من الأحاديث،وفيما يلي، سنتناول بعض الأبيات الشعرية التي تُظهر أهمية الترحيب بالضيوف، مثل الأبيات التي نظمها الشاعر حسان بن ثابت.

نَشَدتُ بَني النَجّارِ أَفعالَ والِدي

إِذا لَم يَجِد عانٍ لَهُ مَن يُوازِعُه

وَراثَ عَلَيهِ الوافِدونَ فَما يَرى

عَلى النَأيِ مِنهُم ذا حِفاظٍ يُطالِعُه

وَسُدَّ عَلَيهِ كُلُّ أَمرٍ يُريدُهُ

وَزيدَ وَثاقاً فَاِقفَعَلَّت أَصابِعُه

إِذا ذَكَرَ الحَيَّ المُقيمَ حُلولُهُم

وَأَبصَرَ ما يَلقى اِستَهَلَّت مَدامِعُه

أَلَسنا نَنُصُّ العيسَ فيهِ عَلى الوَجا

إِذا نامَ مَولاهُ وَلَذَّت مَضاجِعُه

وَلا نَنتَهي حَتّى نَفُكَّ كُبولَهُ

بِأَموالِنا وَالخَيرُ يُحمَدُ صانِعُه

وَأَنشُدُكُم وَالبَغيُ مُهلِكُ أَهلِهِ

إِذا ما شِتاءُ المَحلِ هَبَّت زَعازِعُه

إِذا ما وَليدُ الحَيِّ لَم يُسقَ شَربَةً

وَقَد ضَنَّ عَنهُ بِالصَبوحِ مَراضِعُه

وَراحَت جِلادُ الشَولِ حُدباً ظُهورُها

شعر ترحيب للضيوف من العصر العباسي

ألف الشاعر دعبل الخزاعي في العصر العباسي القصيدة المعروفة التي تحمل عنوان “عللاني بسماع وطلا”، حيث ركز في أبياتها على الترحيب بالضيف وكيفية إكرامه،تُظهر هذه القصيدة التقدير الكبير لقيمة الضيافة بشكل يتناسب مع الزمن والأخلاق السائدة،ما يميز هذا الشعر هو استمرارية الفكرة عبر العصور، حيث يبقى إكرام الضيف عادة لا تتغير، ويقوم الناس ببذل جهدهم للمحافظة عليها.

عَلِّلاني بِسَماعٍ وَطِلا

وَبِضَيفٍ طارِقٍ يَبغي القِرى

نَغَماتُ الضَيفِ أَحلى عِندَنا

مِن ثُغاءِ الشاءِ أَو ذاتِ الرُغا

نُنزِلُ الضَيفَ إِذا ما حَلَّ في

حَبَّةِ القَلبِ وَأَلواذِ الحَشا

رُبَّ ضَيفٍ تاجِرٍ أَخسَرتُهُ

بِعتُهُ المَطعَمَ وَاِبتَعتُ الثَنا

أَبغِض المالَ إِذا جَمَّعتَهُ

إِنَّ بُغضَ المالِ مِن حُبِّ العُلا

إِنَّما العَيشُ خِلالٌ خَمسَةٌ

حَبَّذا تِلكَ خِلالاً حَبَّذا

خِدمَةُ الضَيفِ وَكَأسٌ لَذَّةٌ

وَنَديمٌ وَفَتاةٌ وَغِنا

وَإِذا فاتَكَ مِنها واحِدٌ

نَقَصَ العَيشُ بِنُقصانِ الهَوى

قصيدة زارت ضيوف النيل منا المغربا

قصيدة زارت ضيوف النيل منا المغربا هي من تأليف الشاعر حمد بن إبراهيم ابن السراج المراكشي، المعروف بشاعر الحمراء،تروي القصيدة مشاعر الشوق والحنين لاستقبال الضيوف، وتُظهر عمق الانتماء للمكان والتراث،حيث كانت للشاعر ذكريات متعلقة بالضيوف الذين زاروه، مما يعكس قيمة العلاقات الاجتماعية في مجتمعه.

زَارت ضُيوفُ النيلِ منا المَغربَا

يا مرحباً بضُيوفِنا يا مَرحبا

زُرتُم ربُوعا طالَما حنَّت لكُم

شوقاً وأرسَلَتِ الغزِيرَ الصَّيِّبا

ألفنُّ يروِي عنكُم مثلَ الذّي

يروِي نسيمَ الصُّبحِ عن زهرِ الرُّبَى

كم أبدَعُوا مِن آيةٍ في فنِّهِم

ونَجِيبُهم من فكرِه كَم أنجَبَا

ما مُعجِزات الفنِّ إلاَّ عندهُم

صدِّق إذا مَا شِئتَ ألا تَكذِبَا

أبهَجتُم منا نُفوسا طالما

كَرَبَت وحُقَّ لِنفسِنا أن تَكرُبَا

ألهَمُّ داءً في النفوسِ مُخَيَّمٌ

بسِوى سَمَاعِ فُنُونهِم لن يَذهَبا

المُنصِتُونَ إليهمُ في نشوةٍ

والناظرُون إليهِمُ حلَّوا الحُبَى

لَم يبقَ فينا مِن جبِين قَاطِب

لمَّا انبرَى منه الجبِينُ تَقطَّبَا

يَبكِي فيضحَكُ ثم يضحَكُ سِاخِرا

فيعُودُ مُضحِكُنا أشدَّ تَطرُّبَا

هذا النجَاحُ وهذِه غَايَاتُه

ليسَ النَّجَاح لِمُبتغِيه بأصَعَبَا

أكِرَامَ أبنَاءِ الكنَانةِ قَلبَنَا

مِنهُ حَلَلتُم بالمكانِ المُجتَبَى

وأردتُمُ تَودِيعَنا من بَعدِما

أنِس الفُؤادُ بِكُم وزادَ تَحبُّبَا

هلا أقمتُم ريثَمَا يَشفِي الفَؤا

دُ غليلَهُ ويذوقُ فنّا أَعذَبَا

اللهُ يعلَمُ كيفَ حالَت حالُنا

من بعدِكُم يا ما أشَقَّ وأصعَبا

قصيدة ألا أيها الضيف الذي يطلب القرى

الشاعر عبدالله بن الرقيات كتب هذه القصيدة في العصر الأموي، والتي تجسد روح الترحيب،تهدف الأبيات إلى التأكيد على أهمية تقديم الضيافة والمقاييس الاجتماعية التي تميز المجتمعات العربية،يعكس الشاعر من خلال كلماته القيم المتعلقة بالكرم وإكرام الضيف، مما يجعله نموذجًا يُحتذى به.

أَلا أَيُّها الضَيفُ الَّذي يَطلُبُ القِرى

بِبَتّا تَحَمَّل لَيسَ في دارِهِ عَمروُ

وَكانَ أَبو أَوفى إِذا الضَيفُ نابَهُ

تُشَبُّ لَهُ نارٌ وَتُنضى لَهُ قِدرُ

فَيُمسي وَيُضحي الضَيفُ شَبعانَ وَالقِرى

حَميدٌ وَيَبقى بَعدَها الحَمدُ وَالذِكرُ

أجمل ما تم تأليفه في شعر الترحيب

تستمر الثقافة الغنية بترحيب الضيوف في الإنتاج الأدبي، حيث تُعتبر العديد من القصائد من أجمل ما قدم في هذا السياق،تحتوي الأبيات الشعرية على معانٍ عميقة وكلمات مُعبرة تُظهر سعادة وقدسية هذه اللحظات،يمكن استخدام أبيات من هذا الشعر في بطاقات الترحيب لتعزيز مشاعر الفخر والاعتزاز بقدوم الضيف،بشكل عام، يعتبر إكرام الضيف واجبًا لقدسية هذا الفعل الاجتماعي، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن إكرام الضيف لمدة ثلاثة أيام هو سنة، وبعدها يُعتبر الضيف جزءًا من العائلة.

مرحبا ترحيبة الصبح للشّمس

حزّة عناق الليل مع طلعة النور

في لحظة كلّ المعاني غدت همس

والقلب غارق في بحر أنس وسرور العين

عافت نومها من ضحى أمس لا شك جابرها

وأنا صرت مجبور يا مرحبا باللي تمايل كما الغرس

لا ذعذع النسناس في وقت باكور بك رحبت

روحي قبل تدرك النفس أعداد ما غرّد على الغصن

عصفور أتيناكم لنهديكم أزاهيرا وريحانا بألحاننا

نصوغ لكم فنون الشعر ألوانا أريج فاح من عبق

يزيد القلب سلوانًا يهزّ الوجد من طرب ويهدي النّفس

إيمانا أتيناكم لنهديكم أزاهيرا وريحانا بألحان

نصوغ لكم فنون الشّعر ألوانا أتيناكم لنهديكم

عبير نسمة الكادي نصوغ اللحن هذبا مشاعرنا

بإنشادي أتيناكم لنهديكم أزاهيرا وريحانا بألحان

نصوغ لكم فنون الشّعر ألوانا أنين في القلوب سرى

يخالط نغمة الحادي أغاريد نردّدها كصوت بلبل الصّادي

مرحبا أخوتي مرحباً بالصّحاب فالبدار

البادر نحن بالانتظار فيها صحب كرام

تتمثل قصائد الترحيب بالضيوف في عبقرية الشعر العربي والتزامه بقيم الضيافة والتكريم،حيث يعبر الشعراء من خلال كلماتهم عن مشاعر الفرحة والتقدير للضيوف، ويشكل ذلك حلقة وصل بين الحاضر والماضي، بين الأجيال المتعاقبة والموروث الثقافي،إن ترحيب الضيوف وحسن استضافتهم هو تجسيد لتقاليد راسخة تتجاوز الزمن، مما يجعلها جزءًا لا يتجزأ من الهوية الثقافية للعرب.