تعتبر قضايا العلاقات الزوجية من الموضوعات الحساسة التي تتطلب فهمًا عميقًا لما يحيط بها من أبعاد شرعية واجتماعية،من بين هذه القضايا، يأتي حكم إفساد الزوج على زوجته كأحد الموضوعات الهامة التي تحمل الكثير من الدلالات والمضار،يتناول المسلمون بالأخص موقفهم من هذه الظاهرة التي قد تؤدي إلى تفكك الأسرة، ويستند ذلك إلى توجيهات دينية تتعلق بالأسرة والعلاقات الزوجية،في هذا المقال، سنستعرض حكم الإفساد وأدلة تحريمه، ونعرض بعض الصور التي قد يتخذها الإفساد بين الزوجين، لنصل إلى فهم شامل لأهمية الحفاظ على العلاقات الأسرية وحقوق كل طرف.
حكم إفساد الزوج على زوجته
أشار المركز الأزهري العالمي إلى أن حكم إفساد الزوج على زوجته يُعتبر حرامًا وغير جائز وفقًا للشريعة الإسلامية، ويعد من منكرات الأخلاق،يتجلى هذا الإفساد في تزيين فكرة الطلاق في عقول الزوجين، وهو ما يُعرف بالتخبيب،وهذا السلوك يعد من الأفعال المخزية التي يُعاقب عليها الشخص من قبل الله سبحانه وتعالى،قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “ليس منا من خبب امرأة على زوجها أو عبدًا على سيده” (حديث صحيح)،وفي حديث آخر عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “لا يدخل الجنة بخيل ولا خب ولا خائن” (حديث إسناده حسن)،وبالتالي، تأكد الشرع من حرمة هذه الأفعال، مما يوجب الحذر من التفكير بها أو المساهمة فيها بأي شكل من الأشكال.
إذا كان التخبيب successful, فإنه سيكون سببًا لسعادة إبليس، كما ذكر في حديث النبي “إن إبليس يجلس على الماء ويبعث سراياه، فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة، فيقول أحدهم فعلت كذا وكذا، فيقول ما صنعت شيئًا، ثم يأتي أحدهم فيقول ما تركته حتى فرقته بينه وبين امرأته، فيدنيه منه ويقول نعم أنت.” (حديث صحيح، رواه جابر بن عبد الله).
أدلة حكم تخبيب المرأة على زوجها
تؤكد الشريعة الإسلامية على أهمية الحفاظ على الروابط الزوجية، حيث يُحذر المسلمون من التفوه بكلمات قد تؤدي إلى الشقاق والنزاع بين الأزواج،قد تكون كلمة غير مؤثرة في الظاهر سببًا في حل مشكلات خطيرة كطلب الطلاق أو التخبيب،كما جاء التحذير الإلهي في كتابه الكريم وأنذر الله تعالى من يتعلم من السحر، حيث جاء في قوله “فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ” (سورة البقرة، الآية 102).
وفي سياق العمل على إصلاح ذات البين، قال الله تعالى “وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكمًا من أهله وحكمًا من أهلها إن يريدا إصلاحًا يوفق الله بينهما إن الله كان عليما خبيرًا” (سورة النساء، الآية 35).
كما أكدت الآيات القرآنية على أهمية التفاهم والإصلاح في حالات المشكلات الزوجية، حيث قال الله “وإن امرأة خافت من بعلها نشوذا أو إعراضًا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحًا والصلح خير” (سورة النساء، الآية 128)،كل هذه الآيات تُظهر أهمية العلاقة الزوجية وضرورة محاولة إصلاحها بدلاً من إفسادها.
صور الإفساد بين الزوجين
تناولت الأبحاث والدراسات العديد من الطرق التي قد يتم من خلالها الإفساد بين الزوجين، ومن ضمن هذه الصور ما يلي
- التحدث بالنميمة وإثارة الوشاية بين الزوجين.
- تعبئة ذهن المرأة بعيوب الرجل وزرع فكرة الطلاق في عقلها.
- تحريض المرأة على المطالبة بحقوق غير مستحقة.
- إقناع أهل الزوج بأن الزوجة تستحق الذم وتلاقي الإساءات.
- عدم طاعة المرأة لزوجها.
- قيام رجال أجانب بتحريض النساء على الطلاق تحت ذرائع كاذبة.
- التدخلات الخارجية من أشخاص يسعون للإصلاح ولكنهم يزيدون من تأزم الأمور.
- سعي أي من الطرفين لتحقيق الطلاق من خلال إشعال غضب أو استياء الآخر.
- مشاعر المرأة المتأثرة بالغضب تُسيرها نحو كراهية زوجها في أوقات الشدة.
- وجود أصدقاء سوء قد ينشرون الحسد والكراهية بين الزوجين.
نكاح المخبب بالمرأة التي خبب بها
في إطار التعرف على حكم إفساد الزوج على زوجته، يُعتبر التخبيب فعلاً محرمًا ومكروهًا يحوي عواقب وخيمة، وبالتالي ينبغي على المسلمين تجنب هذه الأعمال،أما حكم زواج المخبب بالمرأة التي خبب بها، فقد اختلف فيه العلماء، حيث اعتبر البعض أن الزواج صحيح لكنه محرم، بينما رأى آخرون أنه باطل وغير جائز، كما يُؤكد بذلك مذهب الإمامين أحمد بن حنبل والمالكي،وفي حديث للشيخ يوسف القرضاوي، أكد بأن الأفعال التي تعكر صفو الحياة الزوجية لا يمكن قبولها.
حكم نكاح المخبب
استنادًا إلى الحكم الشرعي، تباينت الآراء بين العلماء حول مسألة نكاح المخبب،فبينما يرى العديد من العلماء جوازه إذا تحقق الشروط الشرعية، يرون آخرون أنه لا يجوز ويجب اعتباره باطلًا لأن صاحبه يرتكب معصية،وعليه، فإن الأمة الإسلامية مدعوة إلى الالتزام بالأحكام الشرعية وتجنّب الأعمال التي تفسد البيوت وتزرع الفتنة.
أسباب التخبيب
تعود أسباب التخبيب إلى العديد من الظروف الاجتماعية والنفسية، ومن أبرز هذه الأسباب
- الرغبة في الاستحواذ على زوجة الأصدقاء مما يُحدث شقاقًا بينهم.
- عدم الأمانة بين النساء وأزواجهن، حيث قد تستغل النساء الأزمات بين الأزواج لنشر الفتن.
- تأثير الأمهات أو الأهل على الأزواج من خلال نشر عيوب بعضهم.
- النصائح الضارة من الأصدقاء بخصوص التعامل مع شريكة الحياة.
- الحديث السلبي للنساء عن أزواجهن أثناء اللقاءات الاجتماعية.
قصة امرأة العزيز ويوسف الصديق
من القضايا الخطيرة التي قد تتسبب فيها اعمال التخبيب هي التورط في الفواحش،تمثل القصة المعروفة لامرأة العزيز وسيدنا يوسف مثالًا على ذلك،حيث حاولت امرأة العزيز إغواء يوسف الصديق ولكنه استنجد بالله وفضل السجن على الوقوع في الخطأ، مُعبرًا عن استمراره في الطاعة.
قال الله عز وجل “قال رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين” (سورة يوسف، الآية 32)،هذه القصة تحذر من مخاطر الفتن التي قد تؤدي إلى ارتكاب المعاصي.
في الختام، يُعد حكم إفساد الزوج على زوجته أمرًا شديد التحريم في الإسلام، وهو يشكل تحديًا حقيقيًّا للحفاظ على العلاقات الأسرية القويمة،ينبغي على المسلمين الالتزام بأحكام الشريعة والبحث عن السلام والوئام بدلاً من نشر الفتن،إن العمل على تقوية الروابط الزوجية يعد مسؤولية تقع على عاتق الجميع،فالبناء الأسري هو عنصر أساسي في المجتمع الإسلامي، ويجب الحفاظ على استقراره من أي أعمال تفسد معاني الحب والإخاء.