يُعتبر حكم نقض الأيمان بعد توكيدها من الموضوعات الهامة التي ينبغي على كل مسلم التوجه إلى فهمها بدقة، حيث يتطلب الأمر معرفة الأبعاد الشرعية المتعددة التي ترتبط به،هذه المعرفة لا تقتصر فقط على الجانب الفردي للشخص، بل تعكس مدى وعيه بمكانته أمام الله وأهمية الالتزام بالعهد،وعلى هذا الأساس، من الضروري أن نتناول حكم نقض الأيمان بالتفصيل، مع الإشارة إلى آراء العلماء حول كفارة اليمين ووسائلها المختلفة، وذلك لرفع مستوى الفهم الديني بين المسلمين.
حكم نقض الأيمان بعد توكيدها
يأتي حكم نقض الأيمان بعد توكيدها في إطار تعاليم الإسلام موضحاً أن العبد إذا أخل بما عاهد عليه، فإنه يتحتم عليه أداء كفارة،وقد بين الله تعالى ذلك بشكل واضح في كتابه العزيز، حيث يقول سبحانه لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ ولكن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الْأَيْمَانَ ۖ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ ۖ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ۚ ذَٰلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ ۚ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ ۚ كذلك يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [المائدة: 89]،وعليه، يتوجب على المسلم أن يكون واعيًا بشروط كفارة اليمين وطريقة أدائها.
تتوزع الخيارات المتاحة أمام المؤمن في هذا الصدد إلى ثلاثة أصناف رئيسية، وهي
- إطعام عشرة من المساكين، بحيث يكون الإطعام من نفس نوعية المادة الغذائية التي يتناولها الشخص الآخر، ويكون عن الكمية المطلوبة مساوياً لنصف صاع، والذي يعادل تقريباً نصف كيلوغرام.
تتعامل الكفارة أيضاً مع أصناف غذائية أخرى مثل اللحوم أو الطهي حيث يمكن الاستعاضة عن الإطعام بدعوة المساكين للغداء أو العشاء.
- كسوة عشرة من المساكين، حيث ينبغي أن تكون هذه الكسوة صالحة لأداء الصلاة، مثل القميص أو الرداء للرجال، أو الثوب الفضفاض والخمار للنساء.
- تحرير رقبة مؤمنة محررة.
وفي حال عدم القدرة على توفير أي من الخيارات السابقة، يُفضل أن يقوم الشخص بصيام ثلاثة أيام.
أقوال العلماء في كفارة اليمين نقودًا
ثم يسير الحديث نحو الجمع بين أحكام الكفارة والاختلافات بينهم، فقد اعتبر بعض العلماء أن الكفارة يمكن أن تؤدى بنقود، ولكنه يظل رأياً غير متفق عليه،حيث أجمع الكثير من فقهاء الإسلام على أن إخراج كفارة اليمين بنقود لا يجزئ، وإذا حدث ذلك، فإن الكفارة تُعَدّ غير صحيحة.
فقد قال ابن قدامة رحمه الله “لا يُجْزِئُ في الكفارة إِخراج قيمة الطعام ولا الكسوة، لأن الله ذكر الطعام فلا يحصل التكفير بغيره، ولأن الله خَيَّرَ بين الثلاثة أشياء ولو جاز دفع القيمة لم يكن التَخْيِيرُ منحصراً في هذه الثلاث.”
أما الشيخ ابن باز، فقد أشار إلى أن الكفارة ينبغي أن تتمثل بالطعام فقط وليس النقود، حيث أن القرآن والسنة قد جاءا بهذا المعنى، ويجب أن يُخرج من قوت البلد بقدر نصف صاع تقريباً.
أيضًا الشيخ ابن عثيمين ذكر أنه في حال عدم قدرة الفرد على الحصول على طعام أو رقبة أو كسوة، فإنه يتجه لصيام ثلاثة أيام بشكل متتالي، حيث لا يجوز أن يفطر بين تلك الأيام.
تأخير كفارة اليمين
وننظر الآن إلى مسألة تأخير كفارة اليمين، حيث أوضحت العديد من الفتاوى الشرعية التي تؤكد على واجب دفع الكفارة فور وقوع الحنث،فمجمع البحوث الإسلامية أشار إلى أن الأفراد المحنثين مطالبون بأداء الكفارة على الفور، وفي حالة عدم القدرة على الإطعام أو الكسوة، يجب أن يصوم.
عند تأخير الكفارة، يُطلب من الشخص أن يحدد حالته عند إخراجها، فإذا كان مستطيعاً للإطعام فيجب أن يقدم ذلك، إذ تسبق كفارة الإطعام على الكسوة، ومن ثم يأتي الصيام.
كفارة حنث اليمين المتكرر
يتطلب الأمر مراعاة حالة تكرار الحلف باليمين دون حنث، حيث يُعيدّ العلماء أن الكفارة تكون واحدة إن لم يكن هناك حنث بين الأيمان،لكن إذا تكرر الحلف مع الحنث، فإن الكفارة تتعدد حسب عدد الأيمان.
وأمر المسلمين بوجوب تجنب الإفراط في حلف اليمين حيث قال الله تعالى وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ [البقرة: 224].
أقسام اليمين
لنتأمل أنواع الأيمان التي تعتمد على السياق الشرعي، وتنقسم إلى ثلاثة أصناف مهمة
- اليمين الغموس هذا النوع هو الأكثر خطورة، حيث يتم الحلف بشكل كاذب، وهذا يحمل عواقب وخيمة تقتضي التوبة.
- اليمين اللغو وهو الحلف الذي يحدث بدون قصد، وليس عليه كفارة لأن الإسلام قد أشار لعدم المحاسبة عليه.
- اليمين المنعقدة التي تعبر عن العزم القوي وإرادة الفعل، حيث يتحتم على الحانث أن يؤدي كفارة وفقاً لما نصت عليه الآيات القرآنية.
وثمة ترابط بين هذه الأيمان ووجوب الكفارة، فلا بد من التركيز على الفهم العميق لكل نوع من الأيمان حتى نتمكن من تحقيق التوفيق في الالتزام بالعهد مع الله،وفي حالة تكرار الحلف، يجب أن يُحرص على أداء الكفارة بصورة صحيحة.
الأيمان والعهود
في ختام حديثنا، ينبغي أن نتأمل جدياً في مفهوم نقض الأيمان بعد توكيدها،إن حفظ الأيمان والوفاء بالعهد يُعتبر من الالتزامات الشرعية التي تهم السلوك الفردي والاجتماعي،إن المساعي نحو صون هذه العهود تُعكس قيمة الفرد أمام ربه والمجتمع،يجب أن يُعزز العبد من ولائه ويصدر القوة نحو وتحمل المسؤولية تجاه نفسه ووفائه لله،ليجعل كل فرد لنفسه معياراً صارماً في التعامل مع الأيمان مثل قول “والله، بالله، تالله”.
فلنحرص جميعاً على الالتزام الدائم بأيماننا وعهودنا ونسعى إلى كسب رضا الله سبحانه وتعالى.