يعتبر دعاء دخول العام الهجري الجديد من التقاليد المتبعة بين المسلمين في بداية شهر محرم،ومع ذلك، يثير هذا الدعاء الكثير من النقاش بين العلماء والفقهاء حول أصله وحكمه،في هذا المقال، سنتناول بشكل موسع الحكمة من عدم وجود دعاء محدد لهذا الحدث، وتاريخ الاعتماد على التقويم الهجري، بالإضافة إلى حكم التهنئة بمناسبة حلول العام الهجري،انطلاقاً من منظور إسلامي، نهدف إلى تقديم فكر موسّع ومحايد يغطي جميع جوانب هذا الموضوع.

دعاء دخول العام الهجري الجديد

عند البحث في تاريخ دعاء دخول العام الهجري الجديد، نجد أنه لا يوجد دليل قوي أو أصل صحيح في السنة النبوية يشير إلى هذا الدعاء،فهو ليس موثقاً في الأحاديث التي وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم،التاريخ يكشف لنا أن التقويم الهجري تم اعتماده بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وخلال فترة حكم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، الذي بدأ في تاريخه الهجري عام 17 للهجرة، مما يعني عدم وجوب وجود دعاء خاص بهذا الحدث.

تعتمد كتابة التاريخ الهجري على الهجرة، التي حصلت في شهر ربيع الأول، وهو ما يتناقض مع بداية شهر محرم، وبالتالي فإن مفهوم السنة الهجرية لم يكن موجوداً في زمن النبي،لذا يبدو من غير المنطقي الالتزام بدعاء لم يكن موجودًا في السيرة النبوية ولا في عصور الصحابة.

بتوصيف أهميته، يمكننا القول إن اعتبار أي دعاء لدخول العام الهجري بدعة، وندع المؤمنين للابتعاد عن الأمور المستحدثة وغير المأثورة في الدين،فالدعاء لله تعالى يجب أن يكون موجوداً في كل وقت، وليس مقيداً بأزمنة معينة.

التهنئة بالعام الهجري الجديد

أشرنا سابقاً إلى غياب الأحاديث المتعلقة بالعام الهجري الجديد، لكن في ذات الوقت، تشجع الشريعة الإسلامية على نشر المحبة والمودة بين المسلمين،وفقاً للفقهاء، يمكن للمسلمين تبادل التهاني مع بعضهم في هذه المناسبة، شرط عدم اعتقاد أي منهم أن هذه التهنئة واجب ديني.

في هذا الصدد، نجد أن الإمام محمد بن صالح بن عثيمين قد أوضح أن التهنئة بهذا النوع ليست مستحبة كأمر ابتدائي، ولكن يجوز ردها بحسن وبمودة،يمكن مثلاً الرد على التهنئة بالقول “جزاك الله خيرًا، وأعاده عليك بالخير”،وهذا هو موقف مجموعة من العلماء الذين اتفقوا على أن رد التهنئة واجب.

على المستوى التاريخي، لا نجد دليلاً على معمولية التهنئة بالأعوام الجديدة في زمن النبي، ولكن هذا لا يمنع المسلمين من ممارسة العادات الطيبة في الإخاء والتراحم.

فضل الدعاء

من خلال النصوص الشرعية، يتضح أن الدعاء هو عبادة عظيمة ورفيعة المستوى،يعتبر الدعاء شكلاً من أشكال التعبير عن الفقر والحاجة إلى الله تعالى، حيث قال في كتابه العزيز “ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً”،لا يُقيد الأمر بوقت أو شكل، بل يمكن الدعاء به في كل الأوقات دون تقييد.

في الأحاديث النبوية، نجد ما يشير إلى أهمية الدعاء واليقين بالإجابة،الحديث الذي رُوي عن سلمان الفارسي يؤكد على أن “ربكم حي كريم يستحيي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفراً”،هذه الإشارات تشجع المسلمين على تهذيب أنفسهم والتوجه إلى الله بالدعاء في كل المناسبات والظروف.

ختاماً، يجدر بالمسلمين عدم الحاجة إلى ابتكار أدعية جديدة مثل دعاء دخول العام الهجري، فمن الأفضل التوجه بالدعاء لله بشكل عام أو تنفيذ العبادات المستحبة،ومن خلال هذا المنظور، ندعو الله أن يكون كل عام هجرى قادماً مليئاً بالخيرات والنعم.