تكمن أهمية الدعاء في حياة المسلم وفي علاقته بالآخرة، وتنشأ أهمية دعاء دخول المقابر في كونه من سنن النبي محمد صلى الله عليه وسلم، حيث يُعبر عن مشاعر الحزن والاعتبار من حياة السابقين،زيارة القبور ليست مجرد طقوس، بل هي دعوة للتفكر في الموت والحياة بعده،لهذا، يعتبر الدعاء عند زيارة القبور تذكيرًا روحيًّا بلقاء الله، وتبين الصلة الوثيقة بين الحياة الدنيا والآخرة، لذا وجب علينا فهم كيف تؤثر هذه الزيارات في الأرواح.

دعاء دخول المقابر مكتوب

عن عائشة أم المؤمنين ـ رضي الله عنها ـ “إِنَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، كُلَّمَا كَانَ لَيْلَتُهَا مِن رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، يَخْرُجُ مِن آخِرِ اللَّيْلِ إلى البَقِيعِ، فيَقُولُ السَّلاَمُ عَلَيْكُم دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، وَأَتَاكُم ما تُوعَدُونَ غَدًا، مُؤَجَّلُونَ، وإنَّا، إنْ شَاءَ اللَّهُ، بِكُمْ لَاحِقُونَ، اللَّهُمَّ، اغْفِرْ لِأَهْلِ بَقِيعِ الغَرْقَدِ وَلَمْ يُقِمْ قُتَيْبَةُ قَوْلَهُ وَأَتَاكُمْ” [المصدر: صحيح مسلم]،يتضح من هذا الدعاء كيف يرتبط القوم المؤمنون بماضيهم، ويدعو النبي للميت بالرحمة،وقد حثّ النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ على زيارة القبور، لما فيها من عبرة للمسلم وتحفيز له على القيام بالأعمال الصالحة، لأن الموت سيكون نهايته الحتمية التي لا مفرّ منها،ولكن يجب علينا التقيد بعدد من الآداب التي سنوضحها في الفقرة التالية.

آداب زيارة القبور

في سياق الحديث عن دعاء دخول المقابر، يستحق الأمر ذكر بعض الآداب التي ينبغي اتباعها عند زيارة القبور،بعض الأشخاص يظنون أن هذه الزيارة غير محببة للنساء، في حين يعتقد آخرون أن الأمر محرم للرجال كذلك، ولكن هذه الأقاويل ليست صحيحة،فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال في حديث صحيح “زوروا القبورَ فإنَّها تُذَكِّرُكمُ الآخرةَ” [المصدر: صحيح ابن ماجه]، مما يبرز أهمية هذه الزيارة في تنبيه المسلم بأن الحياة ليست دائمة، وأنه يجب عليه أن يكون مؤمناً بما ينتظره في الآخرة.

علاوة على ذلك، يُعتبر الموت الحقيقة الوحيدة التي سيواجهها كل إنسان على وجه الأرض، وبالتالي يجب تذكر أن زيارة القبور ليست مجرد تقليد اجتماعي، بل هي فرصة للتفكر في أفضل الأعمال التي يقوم بها الشخص في حياته،لذا، يُستحب أن يقوم الزائر بزيارة القبور وفقًا لمجموعة من الشروط، وهي

  • أول الشروط هو أن يقول المسلم دعاء دخول المقابر فور الوصول.
  • يشترط إذا زارت المرأة المقابر ألا يظهر عليها أي مشاعر للجزع أو الحزن.
  • يجب أن يحترم الزائر القبور وأن يقف في هدوء ويدعو للمتوفي، والالتزام بعدم القيام بإصدار الضوضاء أو الصخب الذي يُرى في مجالس العائلات.
  • لا ينبغي أن يقوم أحدهم بالمبيت في المقابر أو الجلوس بها ليلًا، لما له من وقع نفسي سيئ وسوء تعامل.

على هذا الأساس، يُعتبر زيارة القبور أمرًا مطلوبًا وجائزًا في الشرع، خاصة أن النبي لم يكن ليحث المسلمين على ذلك لو كان فيه ما يحرمه.

فوائد زيارة القبور

قد أوضحت دار الإفتاء أن زيارة القبور أمر مرّغب فيه، حيث إنها تُسهم في تخفيف الكثير من المصائب على الإنسان، بالإضافة إلى أنها تضعه في إطار من التأمل في النهاية التي يكافح الجميع للوصول إليها،ومن خلال معرفتنا دعاء دخول المقابر، يجب علينا أن نبحث في فوائد تلك الزيارة،فيما يلي بعض الفوائد

  • إن زيارة القبور ترقق قلب المسلم، مما ينعكس إيجابًا في سلوكه وعلاقته بالآخرين، فلا مكان للظلم أو المعاملة القاسية.
  • تشكل زيارة القبور مصدر تهوين للهموم والابتلاءات، حيث تدخل الزيارة القلب بوعي أكبر حول عدم أهمية الأمور الدنيوية مقارنة بما يتبع الموت.
  • كما أن زيارة القبور تُعد فرصة مميزة للمتوفي، حيث تصله دعوات أحبابه ويشعر بسعادة بزيارة أهلائه عند القبر، مما يمكن أن يُشعره بمدى اهتمامهم به حتى بعد وفاته.

دعاء للمتوفي عند زيارة القبر

عندما يُتوفى الإنسان، يبقى له عمله الصالح وذكرى من أحبائه،من هنا، يتعين علينا تقديم الدعاء للأموات، فقد ورد عن ابن تميمة أن الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ قال “إذا مات ابنُ آدمَ انقطع عملُه إلا من ثلاثٍ صدقةٍ جاريةٍ، وعلمٍ ينتفعُ به، وولدٍ صالحٍ يدعو له” [المصدر: مجموع الفتاوى]،هذا يوضح أهمية الدعاء كوسيلة للوصول إلى الرحمة والتخفيف عن الأموات.

يعتبر الدعاء من أجمل الهدايا التي يمكننا تبادلها مع الأموات،من الأمثلة الرائعة للدعاء للمتوفي

  • اللَّهُمَّ اغْفِرْ له وَارْحَمْهُ، وَاعْفُ عنْه وَعَافِهِ، وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ، وَوَسِّعْ مُدْخَلَهُ، وَاغْسِلْهُ بمَاءٍ وَثَلْجٍ وَبَرَدٍ، وَنَقِّهِ مِنَ الخَطَايَا كما يُنَقَّى الثَّوْبُ الأبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ، وَأَبْدِلْهُ دَارًا خَيْرًا مِن دَارِهِ، وَأَهْلًا خَيْرًا مِن أَهْلِهِ، وَزَوْجًا خَيْرًا مِن زَوْجِهِ، وَقِهِ فِتْنَةَ القَبْرِ وَعَذَابَ النَّار
  • اللهم اعفُ عن “….” فإنك القائل إنك عفو غفور، يا مستجيب أجبّ دعائي.
  • اللهم إنه صبر على المرض فلم يجزع، فجازه عن صبره إحسانًا، إنك أنت الحنّان.
  • اللهم إنك عفو وكريم، فاعف عنه، وجازه بكل حرف من كتابك كان يعمل به، وتجاوز عن كل لحظة عصاك فيها، فإنك الغفور الكريم.
  • اللهم عامله بعفوك وكرّمك وغفرانك، ولا تعامله بعدلك.
  • اللهمّ إنّه كان لكتابك تاليًا وسامعًا، فشفّع فيه القرآن، وارحمه من النّيران، واجعله يا رحمن يرتقي في الجنّة إلى آخر آية قرأها أو سمعها، وآخر حرفٍ تلاه، اللهمّ ارزقه بكلّ حرفٍ في القرآن حلاوةً، وبكلّ كلمة كرامةً، وبكلّ اّية سعادةً، وبكلّ سورة سلامةً، وبكل جُزءٍ جزاءً

حكم قراءة القرآن عند القبور

جاء في فتوى الفقهاء أن قراءة القرآن عند قبر المتوفي جائزة، ولا حرج في ذلك، لأن ثواب القراءة يصل إلى المتوفي تبعًا لنية القارئ، سواء كانت القراءة تجري في المنزل أو أمام القبر،لهذا، فلا يوجد حكم شرعي مُنكر أو مُحرم لقراءة القرآن عند القبر.

حكم وضع الزرع على المقابر

بعد أن تناولنا دعاء دخول المقابر المكتوب، يجدر بالذكر أن وضع الزرع على القبور له أحكام خاصة،جاء في كتاب الله الكريم (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ ۚ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَمَلَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ۗ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا) [سورة الإسراء الآية رقم 44].

توحي هذه الآية بأن كل شيء في الكون يسبح بحمد الله، سواء كانت الحيوانات أو النباتات،لذا، أوضح جمهور الفقهاء أن وضع الزرع على قبور الموتى من الأمور الجائزة والمستحبة، شرط ألا تتسبب تلك النباتات في الأذى بجذورها، والدليل على ذلك هو حديث صحيح عن الرسول يوضح أنه قد وضع زرعًا على قبري شخصين كانوا يُعذبان ليخفف عنهم العذاب.

وفي نهاية المطاف، فإن زيارة القبور من الأمور الجائزة في الإسلام، حيث تُذكر الزائر بالآخرة وتعزز زهد الدنيا في قلبه، ما يجعلها زيارة روحانية تسهم في تحقيق السلم النفسي،ينبغي أن تكون هذه الزيارات مصحوبة بدعاء وصبر، لتكون بمثابة ذكرى لكل إنسان بأننا سنلحق بهم في النهاية.