يتناول هذا المقال قصيدة “نص الصديق الشافع” للشاعر جميل بن معمر، الذي يُعتبر رمزًا من رموز الشعر العربي القديم،وُلِدَ جميل في العام الثاني والثمانين من الهجرة، وقد عُرِف بشغفه وانفعاله في الحب، خصوصًا تجاه محبوبته بثينة،تجسد قصيدته هذه مشاعر الحب والوداعة، حيث يستنجد بالصديق عسى أن يصل بينه وبين حبيبته التي فرقت بينهما الظروف،في هذا المقال، سنستعرض تفاصيل القصيدة ونتناول محاورها وأسلوبها، بالإضافة لتسليط الضوء على أسلوب جميل الفريد في التعبير عن المشاعر الإنسانية العميقة.

شرح نص الصديق الشافع

تمتاز قصيدة “نص الصديق الشافع” بالأسلوب الغزلي، حيث تعبر عن مشاعر الحب الحميم والانكسار،يتوجه الشاعر إلى أصدقائه مستعطفًا، متمنيًا أن يشفعوا له لدى الرفيقة التي يعاني من فراقها،تظهر في القصيدة صور عن الشوق والفراق، وهي تصف الصراع الداخلي الذي يعيشه جميل محاولا الفوز بوصال محبوبته،هذا السجال العاطفي يجعل من القصيدة وحدة متكاملة تنقل لنا معاناة الشاعر وأفكاره بأسلوب سلس ورقيق.

نص القصيدة

خليلي عوجا اليوم حتى تسلما على عذبة الأنياب طيبة النشر

فإنكما إن عجتما لي ساعة شكرتكما حتى أغيب في قبري

ألما بها ثم أشفعا لي وسلما عليها سقاها الله من سائغ القطر

وبوحا بذكري عند بثنة وأنظرا أترتاح يوما أم تهش إلى ذكري

فان لم تكن تقطع قوى الود بيننا ولم تنس ما أسفلت في سالف الدهر

فسوف يرى منها اشتياق ولوعة ببين وغرب من مدامعها يجري

وأن تك قد حالت عن العهد بعدنا وأصغت إلى قول المؤنب والمزري

فسوف يرى منها صدود ولم تكن بنفسي من أهل الخيانة والغدر

أعوذ بك اللهم أن تشحط النوى ببثنة في أدنى حياتي ولا حشري

وجاور إذا ما مت بيني وبينها فيا حبذا موتي إذا جاورت قبري

هي البدر حسنا والنساء كواكب وشتان بين الكواكب والبدر

لقد فضلت حسنا على الناس مثلما على ألف شهر فضلت ليله القدر

أيبكي حمام الأيك من فقد ألفه وأصبر مالي عن بثينة من صبر

يقولون مسحور يجن بذكرها وأقسم ما بي من جنون ولا سحر

لقد شغفت نفسي يا بثين بذكركم كما شغف المخمور يابثن بالخمر

ذكرت مقامي ليله البان قابضا على كف حوراء المدامع كالبدر

فكدت ولم أملك اليها صبابة أهيم وفاض الدمع مني على نحري

فيا ليت شعري هل أبيتن ليلة كليلتنا حتى نرى ساطع الفجر

تجود علينا بالحديث وتارة تجود علينا بالرضاب من الثغر

فيا ليت ربي قد قضى ذاك مرة فيعلم ربي عند ذلك ما شكري

ولو سألت مني حياتي بذلتها وجدت بها إن كان ذلك من أمري

مضى لي زمان لو أخير بينه وبين حياتي خالدا آخر الدهر

لقلت ذروني ساعة وبثينة على غفلة الواشين ثم أقطعوا عمري

مفلجة الأنياب لو أن ريقها يداوى به الموتى لقاموا من القبر

إذا ما نظمت الشعر في غير ذكرها أبى وأبيها أن يطاوعني شعري

فلا أنعمت بعدي ولا عشت بعدها ودامت لنا الدنيا إلى ملتقى الحشر

بثينة ُ قالتْ يَا جَميلُ أرَبْتَني فقلتُ كِلانَا، يا بُثينَ، مُريبُ

وأرْيَبُنَا مَن لا يؤدّي أمانة ولا يحفظُ الأسرارَ حينَ يغيبُ

بعيدٌ عن من ليسَ يطلبُ حاجة وأمّا على ذي حاجةٍ فقريبُ

تقسيم القصيدة حسب أطراف الحوار

توزعت القصيدة في محاورها، حيث يتجه الحديث في الجزء الأول إلى الخليلين، بينما في باقي الأبيات يتوجه الخطاب إلى الله تعالى، مما يبرز أبرز الشكوك والتمنيات التي يعيشها الشاعر.

1- المقطع الأول

  • الإيقاع في المقطع الأول يتسم بالبلاغة واللحن الموسيقي، مما يزيد من وقع الكلمات على السامع.
  • الروي في الأبيات يعكس قوة الشاعر أثناء التعبير عن أحاسيسه وعواطفه.
  • الحديث موجه إلى الخليلين كنوع من طلب للأمان أو الشفاعة لنيل رؤيا الحبيبة.
  • التفاعل اللافت بين جميل وبين الخليلين يتجسد عبر مشاعر القرب التي تربطهم في هذا المقطع.
  • تتطرق الرسالة لمفاهيم الهوى والفراق، وكأنها دعوة لاسترجاع الذكريات بقوة مشاعر الشوق.

الخطاب الموجه إلى الله تعالى

  • الخطاب الذي يدعوه يبرز شعور جميل بالضعف و الافتقار لله للمساعدة في تحقيق وصاله مع الحبيبة.
  • الأساليب الإنشائية العاطفية تضفي طابعًا يمزج بين الهجران والرغبة.

شرح أخر قصيدة الصديق الشافع

  • في المقطع الأخير، يستمر الشاعر في سرد مشاعره بصدق وعمق، لتأمل درامية الحب والشوق.

2- المقطع الثاني

  • يمثل هذا المقطع صراع جميل مع مشاعره بين الأمل واليأس.
  • يطرح فرضية بقاء الحبيبة على العهد وعدم التخلي عنه، مما يضفي طابع التفاؤل.
  • بينما الفرضية الثانية تشير إلى وجود بعض الرفض أو الصدود من الجانب الآخر.

النفي

  • يظهر نفي الشك في وفائها تأكيدًا لإخلاصه وحبه لها.

3- المقطع الثالث

الدعاء

  • الطلب من الله يجسد مدى عمق العلاقة وما يترتب عليها من مسؤولية.

التأليف

  • التنوع في الأساليب يعكس تعدد جوانب العلاقة بين العشاق.

سبب شهرته

  • جميل اُشتهر بشغفه ببثينة، ورغم الصعوبات والعواقب، إلا أن محبته وطيدة.
  • استمر في التعبير عن مشاعره في شعره، مما جعله أحد أبرز رموز الشعر العذري.
  • توحدت تجربة الحب والفراق لتصبح جزءًا من ذاكرة الشعر العربي الخالدة.

وفاته

  • تجسدت معاناة جميل مع الحب في شعره الذي أصبح رمزًا لبقية الشعراء.
  • لا تزال قصائده تحاكي مشاعر الحب العذري، التي يحب أن يعيشها المحبون حتى بعد موته.

في ختام هذا البحث حول نص الصديق الشافع، نجد أن قصائد جميلة بن معمر تجسد معاني الحب والحنين إلى الماضي وتعيد صياغة الهوى في بوح الشعر،لقد تركت صوره الإنسانية العميقة أثرًا على الأدب العربي، حيث نرى فيها تعبيرًا عن تساؤلات الوجود والبحث عن السعادة في ظل المعاناة،وبعد كل هذه القرون، تظل كلمات جميل حية، تتناغم مع أرواح المحبين في كل مكان، مشددة على أهمية المشاعر الصادقة والعلاقات النبيلة بين البشر.