يعتبر شعر إيليا أبو ماضي من أبرز الأعمال الأدبية التي أُنتجت من قِبل شعراء المهجر، حيث يعد إيليا أحد أبرز هؤلاء الشعراء الذين أثرت أعمالهم في الأدب العربي المعاصر،عُرف الشاعر بشعره الذي يعبر عن مشاعر الحنين والأسى، حيث كان يعيش في الغربة بعد هجرته من لبنان إلى أمريكا الشمالية،خلال حياته الأدبية المليئة بالعطاء، واصلت أشعاره ترك تأثيرٍ كبير على جمهور واسع حتى وفاته في عام 1957،لذا، سوف نستعرض مجموعة مختارة من أفضل أشعاره.

شعر إيليا أبو ماضي عن الوطن

تتميز أشعار إيليا أبو ماضي في بداية مسيرته بالشعور بالتفاؤل والزخم العاطفي تجاه وطنه، إذ يعكس من خلال كتاباته وجع الغربة وحنين القلب للوطن، وكان له أسلوب فريد في التعبير عن مشاعره، خصوصًا حبه لوطنه لبنان، حيث يقول في شعره

قالَ السماءُ كئيبةٌ وتجهَّما

قلتُ ابتسمْ يكفي التجهُّم في السَّما!

قال الصبا ولّى!

فقلت له ابتــسمْ لن يرجعَ الأسفُ الصبا المتصرما

قال التي كانت سمائي في الهوى

صارَتْ لنفسي في الغرامِ جــهنّما

خانت عــــهودي بعدما ملَّكتُها

قلبي، فكيف أطيق أن أتبســما

قلت ابتسم واطرب فلو قارنتها

لقضيت عــــمرك كلَّه متألما

قال الــتجارة في صراع هائلٍ

مثل المسافر كاد يقتله الظما

أو غادة مسلولة محــتاجةٌ

لدم، وتنفثُ كلما لهثت دما!

قلت ابتسم ما أنت جالب دائها

وشفائها، فإذا ابتسمت فربما

أيكون غيرك مجرما، و تبيت في

وجل كأنك أنت صرت المجرما

قال العدى حولي علت صيحاتهم

أَأُسرُّ والأعداءُ حولي في الحمى

قلت ابتسم، لم يطلبوك بذمهم

لو لم تكن منهم أجلّ وأعظما!

قال المواسم قد بدت أعلامها

وتعرَّضت لي في الملابس والدمى

وعليّ للأحبابِ فرضٌ لازمٌ

لكن كفّي ليس تملكُ درهما

قلت ابتسم، يكفيك أنك لم تزلْ

حيًّا، ولست من الأحبة معدما!

قال الليالي جرعتني علقما

قلت ابتسم و لئن جرعتَ العلقما

فلعلَّ غيرك إن رآك مرنّما

طرح الكآبة جانبًا وترنَّما

أتُراك تغنم بالتبرُّم درهما

أم أنت تخسر بالبشاشة مغنما

فاضحك فإنَّ الشهب تضحك والدجى

متلاطمٌ، ولذا نحب الأنجما

قال البشاشة ليس تسعد كائنًا

يأتي إلى الدنيا ويذهب مرغما

قلت ابتسم ما دامَ بينك والردى

شبرٌ، فإنك بعدُ لنْ تتبسّما

قصيدة “أنا” للشاعر إيليا أبو ماضي

حر ومذهب كل حر مذهبي

ما كنت بالغاوي ولا المتعصب

إني لأغضب للكريم ينوشه

من دونه وألوم من لم يغضب

وأحب كل مهذب ولو أنه

خصمي، وأرحم كل غير مهذب

يأبى فؤادي أن يميل إلى الأذى

حب الأذية من طباع العقرب

لي أن أرد مساءة بمساءة

لو أنني أرضى ببرق خلب

حسب المسيء شعوره ومقاله

في سره يا ليتني لم أذنب

أنا لا تغشني الطيالس والحلى

كم في الطيالس من سقيم أجرب

عيناك من أثوابه في جنة

ويداك من أخلاقه في سبسب

وإذا بصرت به بصرت بأشمط

وإذا تحدثه تكشف عن صبي

أني إذا نزل البلاء بصاحبي

دافعت عنه بناجذي وبمخلبي

وشددت ساعده الضعيف بساعدي

وسترت منكبه العري بمنكبي

وأرى مساوئه كأني لا أرى

وأرى محاسنه وإن لم تكتب

وألوم نفسي قبله إن أخطأت

وإذا أساء إلي لم أتعتب

متقرب من صاحبي فإذا مشت

في عطفه الغلواء لم أتقرب

أنا من ضميري ساكن في معقل

أنا من خلالي سائر في موكب

فإذا رآني ذو الغباوة دونه

فكما ترى في الماء ظل الكوكب

قصيدة “لا تسلني عن السماء فما عندي”

لا تَسَلني عَنِ السَماءِ فَما عِندِيَ

إِلّا النُعوتُ وَالأَسماءُ

هِيَ شَيءٌ وَبَعضُ شَيءٍ وَحيناً

كُلُّ شَيءٍ وَعِندَ قَومٍ هَباءُ

فَسَماءُ الراعي كَما يَتَمَنّاها

مُروجٌ فَسيحَةٌ خَضراءُ

تَلبِسُ التِبرَ مِئزَراً وَوِشاحاً

كُلَّما أَشرَقَت وَغابَت ذُكاءُ

أَبَداً في نَضارَةٍ لا يَجُفُّ العُش

بُ فيها وَلا يَغيضُ الماءُ

وَهيَ عِندَ الأُمِّ الَّتي اِختَرَمَ المَو

تُ بَنيها وَضَلَّ عَنها العَزاءُ

مَوضِعٌ لا يَنالَهُم فيهِ ضَيمٌ

لا وَلا يُدرِكُ الشَبابَ الفَناءُ

وَكَذا يولَدُ الرَجاءُ مِنَ اليَأسِ

إِذا ماتَ في القُلوبِ الرَجاءُ

وَهيَ عِندَ الفَقيرِ أَرضٌ وَراءَ الـ

أُفقِ فيها ما يَشتَهي الفُقَراءُ

لا يَخافُ المَثري وَلا كَلبَهُ الضـ

ـضاري وَلا لِاِمرِئٍ بِهِ اِستِهزاءُ

وَهيَ عِندَ المَظلومِ أَرضٌ كَهَذي الـ

أَرضِ لَكِن قَد شاعَ فيها الإِخاءُ

يَجمَعُ العَدلُ أَهلَها في نِظامٍ

مِثلَما يَجمَعُ الخُيوطَ الرِداءُ

لا ضَعيفٌ مُستَعبَدٌ لا قَوِيٌّ

مُستَبِّدٌ بَل كُلُّهُم أَكفاءُ

كُلُّ شَيءٍ لِلكُلِّ مِلكٌ حَلالٌ

كُلُّ شَيءٍ فيها كَما الكُلُّ شاءوا

وَهيَ عِندَ الخَليعِ أَرضٌ تَميسُ الـ

ـحورُ فيها وَتَدفُقُ الصَهباءُ

كُلُّ ما النَفسِ تَشتَهيهِ مُباحٌ

لا صُدودٌ لا جَفوَةٌ لا إِباءُ

أَكبَرُ الإِثمِ قَولَةُ المَرءِ هَ

ذا الأَمرُ إِثمٌ وَهَذِهِ فَحشاءُ

لَيسَ بَينَ الصَلاحِ وَالشَرِّ حَدٌّ

كَالَّذي شاءَ وَضعُهُ الأَنبِياءُ

وَإِذا لَم يَكُن عَفافٌ وَفِسقٌ

لَم تَكُن حِشمَةٌ وَلا اِستِحياءُ

كُلُّ قَلبٍ لَهُ السَماءُ الَّذي يَهوى

وَإِن شِئتَ كُلُّ قَلبٍ سَماءُ

صُوَرٌ في نُفوسِنا كائِناتٌ

تَرتَديها الأَفعالُ وَالأَشياءُ

رُبَّ شَيءٍ كَالجَوهَرِ الفَردِ فَذِّ

عَدَّدَتهُ الأَغراضُ وَالأَهواءُ

كُلُّ ما تَقصُرُ المَدارِكُ عَنهُ

كائِنٌ مِثلَما الظُنونُ تَشاءُ

قصيدة “أعد حديثك عندي أيها الرجل”

أَعِد حَديثَكَ عِندي أَيُّها الرَجُلُ

وَقُل كَما قالَتِ الأَنباءُ وَالرُسُلُ

قَد هاجَ ما نَقَلَ الراوُنَ بي طَرَباً

ما أَجمَلَ الرُسلَ في عَيني وَما نَقَلوا

فَاِجمَع رِواياتِهِم وَاِملَء بِها أُذُني

حَتّى تَراني كَأَنّي شارِبٌ ثَمِلُ

دَع زُخرُفَ القَولِ فيما أَنتَ ناقِلُهُ

إِنَّ المَليحَةَ لا يُزري بِها العَطَلُ

فَكُلُّ سَمعِ إِذا قُلتَ السُلافُ فَمٌ

وَكُلُّ قَولٍ إِلَيهِم يَنتَهي عَسَلُ

لا تَسقِني الراحَ إِلّا عِندَ ذِكرِهِمُ

أَو ذِكرِ قائِدِهِم أَو ذِكرِ ما فَعَلوا

هُمُ المَساميحُ يُحيِ الأَرضَ جودُهُمُ

إِذا تَنَكَّبَ عَنها العارِضُ الهَطِلُ

هُمُ المَصابيحُ تَستَهدي العُيونُ بِها

إِذا اِكفَهَرَّ الدُجى وَاِحتارَتِ المُقَلُ

هُمُ الغُزاةُ بَنو الصَيدِ الغُزاةِ بِهِم

وَبَطشِهِم بِالأَعادي يُضرَبُ المَثَلُ

قَومٌ يَبيتُ الضَعيفُ المُستَجيرُ بِهِم

مِن حَولِهِ الجُندُ وَالعَسّالَةُ الذُبُلُ

فَما يُلِمُّ بِمَن صافاهُمُ أَلَمٌ

وَلا يَدومُ لِمَن عاداهُمُ أَمَلُ

تَدري العُلوجُ إِذا هَزّوا صَوارِمَهُم

أَيُّ الدِماءِ بِها في الأَرضِ تَنهَمِلُ

وَلِلغَرَندَقِ رَأيٌ مِثلُ صارِمِهِ

يَزُلُّ عَن صَفحَتَيهِ الحادِثُ الجَلَلِ

المُقبِلُ الصَدرِ وَالأَبطالُ ناكِصَةٌ

تَحتَ العَجاجَةِ لا يَبدو لَها قُبُلُ

وَالباسِمُ الثَغرِ وَالأَشلاءُ طائِرَةٌ

عَن جانِبَيهِ وَحَرُّ الطَعنِ مُتَّصِلُ

سَعدُ السُعودِ عَلى السُؤالِ طالِعُهُ

لَكِنَّهُ في مَيادينِ الوَغى زُحَلُ

مختارات من أشعار إيليا أبو ماضي

يَبكي بُكاءَ الطِفلِ فارَقَ أُمِّهِ

ما حيلَةُ المَحزونِ غَيرُ بُكاءِ

فَأَقامَ حِلسَ الدارِ وَهوَ كَأَنَّهُ

لِخُلُوِّ تِلكَ الدارِ في بَيداءِ

لَيسَ المُبَذِّرُ مَن يَقلي دَراهِمَهُ

إِنَّ المُبَذِّرَ مَن لِلدينِ ما صانا

لَيسَ الكَفيفُ الَّذي أَمسى بِلا بَصَرٍ

إِنّي أَرى مِن ذَوي الأَبصارِ عُميانا

لا تَطلِبَنَّ مَحَبَّةً مِن جاهِلٍ

المَرءُ لَيسَ يُحَبُّ حَتّى يُفهَما

وَاِرفُق بِأَبناءِ الغَباءِ كَأَنَّهُم

مَرضى فَإِنَّ الجَهلَ شَيءٌ كَالعَمى

وَالحُبُّ كَاللِصِّ لا يُدريكَ مَوعِدَهُ

لَكِنَّهُ قَلَّما كَالسارِقِ اِستَتَرا

وَلَيلَةٍ مِن لَيَلي الصَيفِ مُقمِرَةٍ

لا تَسأَمُ العَينُ فيها الأَنجُمَ الزُهرا

تَلاقَيا فَشَكاها الوَجدَ فَاِضطَرَبَت

ثُمَّ اِستَمرَّ فَباتَت كَالَّذي سُحِرا

عن الشاعر إيليا أبو ماضي

إيليا أبو ماضي هو شاعر لبناني مشهور من شعراء المهجر، وعضو مؤسس في الرابطة القلمية، وقد عُرفت أشعاره بتعبيرها عن التفاؤل وحب الوطن والحنين إليه،نشأ إيليا في ظروف صعبة خلال صغره، وهاجر إلى أمريكا وعاش فيها كمتعاطف مع وطنه المفقود،وُلِدَ في قرية “المحيدثة” بلبنان، وبعدما انتقل إلى الإسكندرية في سن11 هاجر إلى الولايات المتحدة، حيث توفي عام 1957،

في النهاية، بعد أن قمنا بة شعر إيليا أبو ماضي وأهم مواضيعه المتعلقة بالوطن، بالاضافة إلى بعض الاقتباسات الشهيرة من أشعاره، آملين أن نكون قد قدمنا محتوى ثري ومفيد يمنحك فكرة أوضح عن إسهاماته في الأدب العربي الحديث،إن إيليا أبو ماضي يمثل لنا نموذجًا للشاعر الذي أبدع بالرغم من الظروف التي عاشها، حيث يتمتع بشعبية لا تزال قائمة حتى اليوم.