في عالمنا اليوم، يعد موضوع حقوق الجار موضوعًا بالغ الأهمية يحتاج إلى تسليط الضوء عليه بسبب تأثيره الكبير على العلاقات الاجتماعية في المجتمع،فالجيران هم جزء لا يتجزأ من حياتنا اليومية، وتماسك المجتمع يعتمد على كيفية تعامل الأفراد مع بعضهم البعض،ولقد تلقينا في تعاليمنا الدينية، ولا سيما من رسول الله، توجيهات واضحة بشأن أهمية الأخلاق مع الجيران، مما يجعله موضوعاً يستحق البحث والدراسة،في هذا المقال، سنقوم بالتفصيل في حقوق الجار وفقًا لما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية.

تعريف الجار لغة واصطلاحا

أولا الجار في اللغة حسب المعجم الوسيط

  • الجار في اللغة هو من طلب أو سأل أن يُجار، بما يعني أنه يجب حمايته ومساندته،يتصل معنى الجوار بالمجاورة في السكن، حيث يُعرف الجار بأنه الفرد الذي يعيش بالقرب من الآخر ويشاركه المكان،وكما يُقال أنه يجدر بالجار أن يُعنى بجاره كما يهتم بجانبه، أي أن الجوار يتطلب حسن المعاملة.
  • وعلى العموم، فإن الجار يُعتبر المجاور، ومن المأثور في الأمثال أن الجار يؤخذ بذنب جاره، مما يدل على أهمية الروابط الاجتماعية.

ثانيا اصطلاحا الجار حسب ما يعرفه الناس

  • الجار في المصطلح الحديث هو الشخص الذي يعيش بجوارنا، سواء كان مسلمًا أو غير مسلم،وبالتالي تبرز أهمية تحديد مفهوم الجار في السياقات المختلفة التي نعيش فيها.

حقوق الجار في الجاهلية والإسلام

  • قبل ظهور الإسلام، كان العرب يحافظون على حقوق الجيران بشكل كبير ويعتبرون حسن الجوار مظهرًا من مظاهر التفاخر،كانوا يتبادلون الدعوات في المناسبات ويتشاركون الأفراح والأحزان، مما يعكس عمق الروابط الاجتماعية آنذاك.
  • بعد ظهور الإسلام، استمر هذا التوجه، حيث أوصت آيات القرآن الكريم بالجار واعتبرت الإحسان إليه من مظاهر الإيمان،قال تعالى “واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب” هذا يؤكد أهمية الجار سواء كانت العلاقة قربى أم لا.
  • كما أن تفسيرات هذه الآية تحمل معاني متعددة، فمثلاً الجار ذي القربى هو من يُعرف بعلاقة القرابة، والجار الجنب هو من قد يكون بعيدًا عن العلاقات الأسرية، ولكنه يستحق حسن المعاملة.
  • توضح السيرة النبوية الشريفة أيضًا أهمية حقوق الجار، حيث حث الرسول الكريم على الإحسان إلى الجار إلى الحد الذي آمن به الصحابة بأن جبريل أوصاه بالجار حتى ظن أن الجار سيورث، مما يدل على أهمية هذا الحق في الإسلام.
  • الجار يمثل صديقًا حقيقيًا لنا، حيث يجلب له الإحسان والمودة، وهو الشخص الذي نقضي معه معظم أوقاتنا، لذا يجب أن نحرص على رجاء الجار.

حق الجار في الإسلام

عبر التاريخ الإسلامي، كان امتثال حقوق الجار جزءًا لا يتجزأ من الإيمان، حيث يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره”،وبذلك فإن مخالفة حقوق الجار تعني نقص في الإيمان، ووردت قصص متعددة تشدد على ذلك، مثل المرأة التي كانت تُسيء لجارها،هذا يوضح أن الأخلاق مع الجار تعد من أسس العلاقة الإنسانية.

أنواع الجار

للتعامل بشكل صحيح مع الجيران، يجب أن نعلم أن هناك ثلاث أنواع من الجيران

  • جار له حق واحد وهو الجار غير المسلم.
  • جار له حقان وهو الجار المسلم وله حق الجوار وحق الإخوة في الدين.
  • جار له ثلاثة حقوق وهو الجار المسلم الذي يتصل معه برابطة القرابة.

كيفية التعامل مع أنواع الجيران

معرفة كيفية التعامل مع كل نوع من الجيران أمر ذو أهمية عليا لضمان تنسيق العلاقات بشكل غير متنازع،فالجار المسلم الذي يتمتع بالأخلاق الحسنة يتطلب معاملة خاصة، وهو الجار الذي أوصى به جبريل،فالمعاملة الحسنة مع جميع الجيران تعود بالنفع على المجتمع ككل وتعزز الروابط الإنسانية.

أنواع الجيران ممن يجب تجنبهم

1- الجار صاحب الكبيرة

ينقسم الجار الذي يُمارس المعاصي إلى نوعين،الأول هو من يفعل ذلك سرًا، والآخر هو الذي يجاهر بفعل الكبيرة،في الحالة الأولى، يُنصح بالنصح وأخذ الحيطة في السر.

2- الجار الديوث

هذا النوع من الجيران يُعد مرفوضًا لأنه لا يعتني بأهله، لذا يُفضل الابتعاد عنه.

3- الجار اليهودي أو النصراني

يستحق هذا الجار معاملة حسنة والامتناع عن أي إيذاء، ويمكن البدء بالتحية إذا بادروك بها.

حقوق الجار في الإسلام

  • يجب التعامل مع الجار بحسن المعاملة،قال رسول الله “أحسن إلى جارك تكن مؤمنا”.
  • إكرام الضيف من حقوق الجار، حيث قال صلى الله عليه وسلم “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه”.
  • إطعام الجار إذا جاء، وهو مظهر من مظاهر الكرم.
  • حفظ عرض الجار وعدم خيانته، إذ يُعتبر ذلك من أكبر الذنوب.

حقوق الجار كما ذكرت في القرآن والسنة

  • حقوق الجار تتضمن كف الأذى عنه، حيث قال رسول الله “لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه”.
  • مراعاة الجار في أفراحه وأحزانه، سواء كان ذلك بالمشاركة أو بالمواساة.
  • عيادته إن مرض وتقديم المساعدة له.
  • نصيحته بالحسنى إذا أخطأ.
  • الصبر عن أذى الجار، كما فعل رسول الله مع جاره اليهودي الذي كان يؤذيه.

حد الجار في الإسلام

تحديد الجار الذي يجب أعطاؤه حقوق الجوار يختلف بين المذاهب

  • عند الشافعية والحنابلة، يمتد حق الجوار إلى أربعين دارًا في كل اتجاه.
  • أما المالكية، فهم يرون أن الجار هو الملاصق فقط.
  • أصحاب المذهب الحنفي يؤيدون أيضاً قول المالكية.

في نهاية المقال، نجد أن حقوق الجار في الإسلام تُعتبر من الأمور الأساسية التي يجب مراعاتها سواء كان جارًا مسلمًا أو ذميًا، حيث كان الرسول صلى الله عليه وسلم قد حثنا على حسن معاملته وعدم إيذائه بأي شكل من الأشكال،فعندما نتعامل مع الجيران بلطف واحترام، نحن نُساهم في بناء مجتمع متفاهم ومترابط، مما يعكس القيم الإنسانية النبيلة.