إن الحديث حول فوائد سورة القمر الروحانية كان موضوعًا ذا اهتمام بالغة، إذ تناولته العديد من النصوص والتقاليد الشعبية،وقد انتشرت معلومات حول هذه الفوائد عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والتي تُكرر غالبًا دون التحقق من دقتها،لذلك، من الضروري ملاحظة ما قاله الفقهاء والعلماء حول هذا الموضوع،في هذا السياق، سنتناول الفوائد المزعومة لسورة القمر ونبحث في صحة الأحاديث المتعلقة بها من خلال الأدلة الموجودة في كتب التفسير والحديث.
فوائد سورة القمر الروحانية
يثير موضوع فوائد سورة القمر الروحانية العديد من النقاشات والجدل بين الناس،ومن الضروري الانتباه إلى أن الأحاديث الموجودة حول هذا الموضوع عبارة عن مرويات قد لا تكون صحيحة،وكما سبق وأن تم ذكره، فإن العديد من الأحاديث الضعيفة أو الموضوعة عن فضل سورة القمر قد انتشرت،لكن الحقيقة تتجلى عندما نقوم بتحليل المعطيات ونبحث عن الأدلة الموجودة في كتب الفقه والتفسير،هذه الإجراءات ستساعد في تحديد ما إذا كانت هذه الفوائد تستند إلى معلومات موثوقة أم لا.
كما ذكرنا آنفًا أن هناك عدد كبير من الأحاديث الموضوعة المكذوبة عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضل سورة القمر،لكن بعد البحث في كتب الفقه والتفسير، لم نجد إلا حديثًا وحيدًا ورد في بعض التفاسير مثل تفسير ابن مردويه، كما أورده الواحدي في تفسيره الوسيط،والحديث هو
… عن زر بن حُبَيْش عَن أبي بن كَعْب قال “
قال رَسُول الله صلى الله عليه وسلم «من قرأ سُورَة اقتربت الساعة في كل غب بعث يوم القيامة، ووجهه على صورة القمر ليلة البدر، ومن قرأها في كل ليلة فهو أفضل، وجاء يوم القيامة ووجهه مسفر على وجوه الخلائق…”
إلا أن أهل العلم من محققي الحديث قد أجمعوا على أن هذا الحديث لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم،فنجد أحد أكبر الشافعية الإمام شمس الدين الخطيب الشربيني يقول في كتابه (لسراج المنير في الإعانة على معرفة بعض معاني كلام ربنا الحكيم الخبير) إنه نفى الصحة عن هذا الحديث بالكلية، وأكد أنه موضوع،ولم يكن وحده من جزم بهذا الرأي، بل نجد أن صاحب كتاب (الفتح السماوي بتخريج أحاديث القاضي البيضاوي) عبد الرؤوف بن تاج العارفين اعتبره موضوعًا أيضًا ولا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم.
كما أن آخرين ذكروا أن هذا الحديث أيضًا كما أُشير إليه موضوع، مثل ابن مردويه (في فضائل السور) والثعالبي (في تفسيره) والواحدي،من كل ما سبق، يتضح أنه لا صحة لما ورد في فوائد سورة القمر الروحانية، خاصةً بها، ولا يُقارن ذلك بالفضل العام للقرآن الكريم ككل.
سبب تسمية سورة القمر
من المهم التأكيد على أنه لا صحة لما يشاع حول فوائد سورة القمر الروحانية وأنها سميت بهذا الاسم بسبب أن قرائها سيكونون مثل القمر يوم القيامة،نجد أن الترمذي في سننه قد أشار إلى أنه تُسمى سورة القمر أو سورة (اقتربت) وذلك لأن أول آية فيها “اقتربت الساعة وانشقت القمر (1)”.
تُسمى سورة (القمر) لذكر القمر فيها، بينما تُسمى سورة (اقتربت) لأن هذه الكلمة هي أول كلمة في السورة،هذا هو السبب الوارد في تسميتها.
خطورة نقل أحاديث فضائل السور الموضوعة
حذرنا النبي صلى الله عليه وسلم من نقل الأحاديث عنه دون تحقق، وخاصةً تلك التي يعلم قائلها أنها ليست عنه، ووعد من ينقل الكذب أو يكذب به بمقعد في جهنم وبئس المصير،فعن عبد الله بن عباس أنه قال
” اتَّقوا الحديثَ عنِّي إلَّا ما علِمتُمْ، فمَن كذبَ عليَّ مُتعمِّدًا فليتَبوَّأْ مَقعدَهُ مِن النَّارِ، ومَن قال في القرآنِ برأيِّهِ، فليتَبوَّأْ مَقعدَهُ مِن النَّارِ” (صحيح الترمذي 2915)
إن هذا الحديث يتضمن مفاهيم واضحة تبرز أهمية التحقق من الأحاديث،إذ يتجلى الأمر في النقاط التالية
- “اتَّقوا الحديثَ عنِّي إلَّا ما علِمتُمْ” أي يجب على المسلمين أن يتحققوا من صحة الأحاديث قبل نقلها.
- “فمَن كذبَ عليَّ” يشير إلى من ينقل كلمات غير صحيحة.
- “مُتعمِّدًا فليتَبوَّأْ مَقعدَهُ مِن النَّارِ” يعبر عن عقوبة خطيرة لذلك الشخص.
- “ومَن قال في القرآنِ برأيِّهِ” أي يجب الحذر من تفسير القرآن دون معرفة كافية.
- “فليتَبوَّأْ مَقعدَهُ مِن النَّارِ” تتعلق بعواقب التجرؤ على كتاب الله.
ووفقًا لتعليقات الفقهاء حول هذا الحديث، فإن دخول النار هنا لا يُفهم على أنه الخلود فيها، بل قد يجازى الداخل فيها على قدر فعله وقد يُعفَى عنه بسبب إيمانه.
خلاصة الموضوع في 5 نقاط
عند ة أقوال الفقهاء حول فوائد سورة القمر الروحانية، يمكننا أن نستخلص النقاط التالية
- وجود عدد كبير من الأحاديث الموضوعة في باب فضائل السور.
- أجمع العلماء على أن الحديث المشهور في فضل سورة القمر لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم.
- سبب تسمية سورة القمر بهذا الاسم هو ذكر القمر في أولها، ولا صحة لما يُقال حول كون قارئها يأتي يوم القيامة وجهه مثل القمر.
- حث النبي صلى الله عليه وسلم على عدم نقل الأحاديث عنه دون تحقق، ومن فعل ذلك متعمدًا فقد أُعدّ لمقعد في النار.
- كذلك أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى خطورة التحدث في تأويل القرآن بلا معرفة، محذرًا من ذلك بما يستدعي عواقب وخيمة.
وفي الختام، ينبغي لكل مسلم أن يكون واعيًا لأهمية التحقق من المعلومات المتعلقة بالدين، وأن يسعى دائمًا للبحث عن الحقيقة من خلال الرجوع إلى مصادر موثوقة، لضمان عدم تداول المعلومات المغلوطة التي قد تُسبب ضررًا دينيًّا واجتماعيًّا.